كتب الدكتور يوسف إبراهيم أن محاولة إسرائيل اغتيال قادة حماس في الدوحة لم تكن مجرد عملية عسكرية فاشلة، بل مثلت شرخًا جيوسياسيًا خطيرًا كشف هشاشة سيادة الخليج، وحدود التحالفات الغربية، والحاجة الملحّة إلى تقرير المصير الإقليمي. والأهم أنها أشعلت لحظة نادرة من التحدي، حيث شكّل رد قطر الجريء بداية صحوة محتملة في المنطقة.
أوضح في مقال لميدل إيست مونيتور أن الضربة الإسرائيلية لم تكن ردًا على أحداث محدودة في القدس أو غزة، بل جاءت كخطوة محسوبة لإفشال المفاوضات وفرض الاستسلام الفلسطيني. تقارير صحيفة الأخبار اللبنانية ذكرت أن الهجوم جرى الإعداد له مسبقًا، وأن الإدارة الأمريكية أُبلغت به ولم تمنعه، ما كشف حقيقة مؤلمة: التحالفات الغربية لا تضمن الحماية لدول الخليج، بل تُبنى على أولوية المصالح الإسرائيلية.
الكاتب أشار إلى أن واشنطن لم تكتفِ بالصمت، بل شاركت ضمنيًا عبر إعلام مبعوثيها للدوحة بعد التنفيذ، وهو ما عرّى فراغ الضمانات الدبلوماسية وأضعف مصداقية الولايات المتحدة كوسيط محايد. غير أن قطر رفضت الانصياع، وأطلقت هجومًا دبلوماسيًا مضادًا، حشدت خلاله الإدانة الدولية، ودعت إلى قمم عربية وإسلامية طارئة، وأكدت دورها كوسيط رئيسي في القضية الفلسطينية. هذا التحرك قلب معادلة الخضوع التقليدي في الخليج إلى نموذج نادر من التحدي المبدئي.
يرى الكاتب أن موقف قطر لم يكن دفاعًا عن سيادة وطنية فقط، بل عن كرامة إقليمية. فقد برزت الدوحة كحامية للحقوق الفلسطينية، بما قد يشجع دولًا مترددة في التطبيع على تبني موقف أكثر جرأة. وبهذا أثبتت أن السيادة ليست منحة بل موقف، وأن المقاومة – ولو دبلوماسية – لا تزال ممكنة.
الحدث غيّر قواعد اللعبة. فبعد سنوات من الدبلوماسية الحذرة، أرسلت قطر رسالة واضحة بأن زمن الصمت انتهى، وأنها قادرة على استخدام نفوذها الإعلامي ودبلوماسيتها الواسعة وتحالفاتها مع قوى مثل تركيا وبعض المؤسسات الغربية للتأثير في الساحة الإقليمية والدولية، وعزل إسرائيل دبلوماسيًا.
أكد الكحلوت أن الضربة في الدوحة ستُذكر لا بفشلها العسكري فحسب، بل بما أيقظته من وعي. فقد فضحت مخاطر العدوان الإسرائيلي غير المنضبط، وأبرزت الحاجة إلى وحدة إقليمية، وأظهرت أن الصمت يعني التواطؤ. كما كشفت انقسامات داخل إسرائيل نفسها، حيث انقسم المسؤولون بين تأجيل الضربة إلى ما بعد صفقة تبادل أسرى أو تنفيذها فورًا لإظهار القوة، لكن الهدف المشترك ظل القضاء على قيادة حماس وإغلاق قنوات الوساطة.
وأشار المقال إلى أن المضي قدمًا يتطلب من الدول العربية إعادة النظر في تحالفاتها، وإحياء دبلوماسية جماعية، وتعزيز استراتيجيات دفاع منسقة. فلا مستقبل للتسليم بالأمر الواقع، بل بالتحرك الجماعي لحماية السيادة والاستقرار.
كما ربط الكاتب الحادثة بالإطار الأوسع لفكرة "إسرائيل الكبرى"، التي تُطرح في بعض الأوساط السياسية والدينية الإسرائيلية وتشمل السيطرة على فلسطين التاريخية وأجزاء من لبنان وسوريا والعراق والسعودية وسيناء. مثل هذه الطموحات تشكّل تهديدًا مباشرًا لسيادة دول المنطقة واستقرارها.
وأشار أيضًا إلى أن الإعلام الإسرائيلي تحوّل من الاحتفاء إلى القلق بعد الضربة، مع تزايد الشكوك حول نجاحها وتداعياتها الدبلوماسية، خصوصًا مع استمرار قيادات حماس. وزاد من عزلة إسرائيل الحراك الدولي المتنامي لكسر حصار غزة عبر قوافل بحرية مدنية تحظى بدعم إقليمي ودولي، ما يعكس تحولًا في الدبلوماسية الشعبية.
خلص الدكتور يوسف إبراهيم إلى أن قطر أضاءت شرارة. ويبقى السؤال إن كانت هذه الشرارة ستتحول إلى شعلة، رهنًا بقدرة المنطقة على توحيد موقفها والقول بوضوح: كفى.
https://www.middleeastmonitor.com/20250914-beyond-diplomacy-qatars-strategic-posture-redraws-the-regional-map-of-resistance/